كتب/ معتز محمد
عن دار روافد للنشر والتوزيع صدرت للروائي محمد صالح البحر رواية جديدة تحت عنوان “حتى يجد الأسود منْ يُحبه”، والتي تدور أحداثها في أجواء ضبابية، تتراوح بين الواقعي والحلمي، عن عمارة تملؤها الوحدة، وتطحنها الغربة، ويميتها الألم، وهي تقف وحدها في مواجهة بحر متلاطم وأفق مسدود وليل مظلم، لكنها تنجح في إقامة مدينة جديدة من حولها، وتشهد لنجاحها “صخرة العشاق” بامتدادها اللامتناهي في الزمن، تدور أحداث الرواية التي تنسج شخصياتها من الحنين المفرط في قسوته، والعشق المذبوح دوما تحت سياط الجشع والرغبات المنفلتة.
يبدو “الوليد” كشخصية محورية، لكن السرد يكشف أنها مجرد تقنية تشبه “تقنية الجِذع” الذي تخرج منه الفروع ليكتمل نمو الشجرة، وأنها تتناسب تماما مع عمله ككاتب هجرته الكتابة ويخوض غمار معركة قاسية مع التيه، لا يكف عن البحث عن ذاته، ومحاولة ايجادها في الحب المفتقد بكل أشكاله، أو رؤيتها في مآسي الآخرين التي تتشابك مع مأساته، وتفرض عليه المواجهة، فالسرد كثيرا ما يزيح هذه المحورية ليخلق مساحات كافية لتحقق الوجود الموازي لبقية الشخصيات، فتحية وليلى وموسى ونوارة والعمة وميرو، فتتكشف بتؤدة أبعاد البنية الصوتية للبناء الفني للرواية، بناء متداخل ومتشابك، لا تتيح الشخصية فيه نفسها بسهولة، وتلعب اللغة دورا رئيسا في تميزه، تنحت بعمق غائر للإمساك بدواخل الشخصيات، وإقامة متن سردي قوي ومتماسك، تمتلك قدرتها التعبيرية وتدفقها السلس للانتقال بين الشخصيات والأزمنة والأماكن، ترسم حدودهم وتنقش تفاصيلهم بدقة، وتتراوح لحظتها الآنية بين الماضي والتطلع إلى المستقبل برشاقة تمكنها من إقامة عالمها المتخيل بواقعية أسطورية وصدق.
“حتى يجد الأسود مَنْ يُحبه” هي الرواية الرابعة في مسيرة محمد صالح البحر الروائية، والكتاب الثامن له إضافة إلى ثلاث مجموعات قصصية، ومسرحية للطفل.