لم نسع يوما لمخاصمة أحدا من الأشقاء ، ولا نلجأ أبدًا لقطع العلاقات مهما بلغ بنا الاختلاف ، نصبر ونهدأ ونترفع ، فالأشقاء يختلفون لكنهم لا يتعادون .
نأخذ على خاطرنا ونحزن ، نبتعد .. نتخاصم .. نلوم .. نعاتب ، لكننا لا تغدر .. لا نمكر .. لا نتآمر ولا نؤذي حتى من أذانا .. واذا طرقت أبوابنا لا نغلقها ولا نسدها ولا نواريها ، واذا مدت لنا الأيادي نمد أيادينا ، نصافح ونصارح ونتصافى ، هذا ما توارثناه من أجدادنا وما تعلمناه من آبائنا ونلقنه لأبنائنا وأحفادنا .. تلك هي صفاتنا وعلى مدى تاريخنا ، لذا فإنا بمصريتنا معتزون .
بالأمس بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارة رسمية لدولة قطر وهي أول زيارة له منذ أن تولى سدة الحكم في مصر ، كثير منا لم يكن يتوقع مثل هذه الزيارة بعد سنوات من الجفاء في العلاقات بين البلدين ، وكثير منا لم يكن راضيا عنها بسبب احتضان الشقيقة قطر لزمرة من الكارهين لبلدنا ، وكثيرون غيرنا تعذبهم هذه الزيارة لأنها ستعيد العلاقات الى سابق عهدها وينتظرهم مصيرا مجهولا فقد لا يكون لهم مأوى بعد اليوم ولا داعما ولا نصيرا ، فمنذ أن تم الاعلان عن موعد الزيارة وهم من النوم محرمون .
نتذكر يوم أن أبرم الرئيس الراحل انور السادات اتفاقية السلام مع اسرائيل حينها قامت الدول العربية كافة بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع مصر ( باستثناء سلطنة عمان ) وتوقف التعاون المشترك بين كل هذه الدول ومصر ، ودام هذا الوضع لسنوات حتى استشهد بطل الحرب والسلام في يوم نصره فعادت العلاقات العربية المصرية من جديد وأكثر قوة في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك ، وقد اكتشف العرب فيما بعد أن الرئيس السادات كان على صواب ، وإن لم يكن كذلك فما كان بعضهم أو لنقل أكثرهم قد أقاموا اليوم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ، وقد جاءت خطوتهم متأخرة عقود عن خطوة رئيس مصر الراحل ( سابق عصره ) .
في السياسة لا عداء يدوم ولا صداقة تبقى ، لذا فإن عودة العلاقات بين مصر وقطر الى طبيعتها كانت ستتم إما عاجلا أم آجلا ولكن كانت هناك بعض الأمور التي كان ينبغي تسويتها أولا ، ونظن أنه تم الاتفاق بشأنها من قبل وستحسم بشكل نهائي خلال الزيارة ، فاستمرار الخلاف كان سيؤدي الى مزيدا من الانقسام بين دول المنطقة التي تقاوم جميعها وبكل جهد لمنع التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية من بعض القوى الاقليمية والدولية ، ولا رادع لهذا التدخل الا بالتوافق بين كل العرب .
نحن مع كل قرار تتخذه القيادة السياسية في مصر ونعلم أن كل خطواتها محسوبة وتراعي المصالح العليا للوطن وتضعها نصب أعينها ، وبما أنها لاترى طائلا من العداء ، فلا مانع من العودة طالما كان بكبرياء .