ما أصل كلمة نمرود التي نستخدمها في قاموس مفرداتنا ، انها تعود للملك نمرود بن كنعان بن كوش – ملك بابل وبلاد الرافديْن وحاكمها لمدة أربعمائة سنةٍ حكمًا استبداديًّا ، وهو من أعْتى ملوك الأرض وأكثرهم استكبارًا ، كفر بربه وادّعى الألوهية من دون الله تعالى، فقال لقومِه أن لديه القدرة على الإحياء والإماتة، وقد جاء ذِكر النمرود في القرآن الكريم في معرض الحديث عن المناظرة التي دارت بينه وبين سيدنا إبراهيم -عليه السلام- في سورة البقرة دون ذِكر اسمه صراحةً .
لقد أصبحت كلمة نمرود عنوانا للشخصيات ذوي الطباع السيئة ، فإننا نقول على شخص ما انه نمرود ، حينما نتوسم فيه الخير وما نرى منه الا كل سوء ، حتى أننا نخشى أن تجمعنا به الأقدار في عمل أو لقضاء مصلحة ، ولا نسعى للتعاون معه بأي شكل من الأشكال ، ونحاول ان نتبرأ منه ان كانت تربطنا به اَي درجة من درجات القرابة أو النسب .
ووفقا لتحليلي المتواضع لشخصية النمرود بناء على تجارب سابقة واحتكاك مباشر مع بعض النماردة ، يمكنني أن أصف النمرود في ثلاث كلمات فقط ( لا يشكر ، لا يحمد ، لا يقنع ) ، وإذا ما اجتمعت كل هذه الصفات السيئة في شخص ما ، فمن السهل عليه أن يرتكب ما يروق له من تجاوزات ، والعياذ بالله .
ولكي نتعرف أكثر على شخصية النمرود سأذكركم بمشهد حقيقي حدث قريبا يظهر بعض من صفاته بوضوح ، وسأقص عليكم مشهد آخر تخيلي من تأليفي ونسج خيالي لشخص نمرود ، وسأبدأ بالمشهدالتخيلي :
جاء أحد الموظفين الى مقر عمله مبكرا وبدا على وجهه الهم والحزن والآسى ، فسأله زميله ما بك يا فلان ، فقال له دعني وشأني ، فبشره زميله بان اليوم هو موعد صرف الراتب وعلينا ان نفرح ، فرد عليه قائلا وهذا هو سبب حزني ، فأنني احتاج على راتبي مبلغ إضافي لا يقل عن خمسمائة جنيه حتى أسدد التزاماتي ، فقال زميله لا عليك ولاتحمل لذلك هما فإني سأقرضك المبلغ بإذن الله ، فنظر اليه بحقد وانصرف ليستلم راتبه ، ثم عاد الى مكتبه ومعه مظروف مغلق بداخله الراتب وبعد فتحه وجد به مبلغ ألف جنيه زيادة عن راتبه الشهري المعتاد فأتصل بالصراف ليسأله عن سر هذا المبلغ ، فأبلغه الصراف بأنه مكافأة تشجيعية من صاحب العمل ، وبدلا من أن يشكره ويحمد الله ويشعر بالقناعة والرضا ، رد على الصراف قائلا (ألف جنيه بس يا حرامية يا نصابين يا ولاد …) وهذا هو حال النمرود ( لا يشكر ، لا يحمد ، لا يقنع ) .
أما المشهد الحقيقي الذي سأذكركم به هو ما حدث من بعض الأخوة المصريين العالقين بالخارج الذين بثوا العديد من النداءات والاستغاثات والمناشدات بعد ان تقطعت بهم السبل في الدول التي يقيمون بها بسبب تداعيات فيروس كورونا ، ومطالبتهم الحكومة باعادتهم للوطن بأي ثمن واستعدادهم للخضوع لأية اجراءات احترازية ووقائية بما في ذلك الحجر الصحي في أي مكان تقرره الدولة بالفنادق أو المدارس أو المدن الجامعية ، وعندما لبت الدولة نداءاتهم ، رأينا ما رأينا ، ففور وصولهم الى أرض الوطن الحبيب تنمرد بعضهم رافضا الحجر الصحي ، وتنمرد بعضهم معترضا على الوجبات التي تقدم لهم في الفندق ذات السبع نجوم ، وتنمرد بعضهم على تجهيزات المدينة الجامعية التي وفرتها الدولة لهم للعزل الصحي مجانا ، وبثوا تنمردهم هذا على وسائل التواصل دون خجل أو حياء ، فأعطوا درسا مهما في فنون النمردة ، الا وهو
( لا شكر ، لا حمد ، لا قناعة ) .
النمرود ، إن كان غنيا أم فقيرا ، يبقى في حالة توتر دائم لأنه لا يرضى أبدا بحاله ، ولا بما قسمه الله له.