شاهدنا جميعا وقائع محاكمة المتهم محمد عادل قاتل زميلته في الكلية نيرة أشرف والتي عقدت بمحكمة جنايات المنصورة و صدر الحكم فيها بإحالة أوراق المتهم الى فضيلة المفتي في واحدة من أسرع المحاكمات في تاريخ القضاء المصري حيث صدر الحكم في الجلسة الثانية من المحاكمة .
وبعيدا عن الحكم العادل الذي صدر فقد كنت منبهرا بأداء القاضي الجليل معالي المستشار بهاء الدين المري الذي أعطى درسا لقضاة العالم في كيفية التعامل مع المتهمين في قضايا القتل ، نعم ونفخر به كواحد من أبناء مصر الشرفاء ، فقد تعامل القاضي مع المتهم منذ البداية بإنسانية وعفوية وحنو فأزاح عنه رهبة المحاكمة وأشعره بأنه يجلس في بيته وبين أسرته ، ففتح المتهم قلبه للمحكمة وأدلى باعترافات تفصيلية عن الجريمة وباح بكل اسرارها ، فاختصر زمن المحاكمة ولم يعد هناك حاجة لمزيدا من الجلسات .
ومن المشاهد الجميلة في هذه المحاكمة والتي تصلح أن تدرس في جميع محاكم العالم ، ماحدث في الجلسة الأولى حين أمر القاضي الحراسة باخراج المتهم من القفص للمثول أمام المحكمة وطلب منهم فك قيده ، ثم طريقة مخاطبة القاضي للمتهم و التي اتسمت بالرفق الذي يصل الى حد الأبوة فاستدعى له كرسيا بعدما لاحظ عليه الاعياء ، ما أشعر المتهم بالاطمئنان ومنحه الهدوء والسكينة ، وواصل القاضي الجليل انسانيته والتي تبدو انها من خصاله الحميدة وسماته الطيبة ، فلم ينادي المتهم طوال الجلسة الا باسمه أو يا أبني أو يا حبيبي ، ولم يقاطعه مرة حتى انتهى من استجوابه فأمر باعادته الى قفصه ورفعت الجلسة .
وما حدث في الجلسة الثانية أيضا يدرس ، فقبل النطق بالحكم ألقى معالي المستشار بهاء المري قصيدة عصماء لخص فيها حال المجتمع وغياب الوعي وارتكاب الجرائم تحت ستار الحب الكاذب وفي وصفه للمجتمع جاء بتلك الأبيات :
يقينٌ غابَ، وباطلٌ بالزيفِ يحيا
وتفاهاتُ بالجهرِ تتواترُ
وبيت غابَ لسببٍ أوْ لآخر
الرغبةُ صارتْ حباً
والقتلُ لأجلهِ انتصاراً
وقال للمتهم :
جئتُ بفعلٍ خسيسٍ هزَ أرضاً طيبةً
ذبحتْ الإنسانيةُ كلها يومٌ أنَ ذبحتْ ضحيةً بريئةً.
إنَ مثلكَ كمثلِ نبتَ سامٌ في أرضِ طيبةَ
كلما عاجلهُ القطعَ قبلَ أنْ يمتدَ
كانَ خيراً للناسِ وللأرضِ التي نبتَ فيها .
انتهت القصيدة وأصدر القاضي الحكم الذي أطمأن له الوجدان وأثلج به الصدور.
وهكذا تنظر القضايا ، وهكذا يحكم القضاة .