الحرب تحقيق أهداف وليست فرقعة صواريخ..
في تحقيق الأهداف العسكرية فأصغر عسكري في الجيش المصري العظيم يعلمه..
ولكن لا يعلمه كل الشعب أو بالأخص العوام من الشعب ـ وهو أمر لا يمس كيانهم الإجتماعي في شيء ـ لذا نسرد كل الأهداف التي تم تحقيقها من إندلاع العمليات الحربية بين إسرائيل وإيران.
وخاصة وأننا كشعوب لبعض الدول العربية قد فرحنا بالضربة الإيرانية لإسرائيل ليس حبا أو مناصرة لإيران بقدر ما هو كرها في إسرائيل.
ولكن عند المقارنة بالضربة الإسرائيلية لإيران فسنجد أن الأهداف التي حققتها إسرائيل في حربها كالتالي:
١ـ إغتيال تسعة علماء فيزيائيون نوويون وهم المسؤولون عن تشغيل البرنامج والمفاعلات النووية، وهؤلاء ثروة علمية لا تقدر بثمن ولن يمكن تكوينها أو الحصول عليها إلا بمضي سنوات كثيرة جدا، وإيران لم تقدر الكنز العلمي الثمين هذا فلم تحافظ عليه.
٢ـ إغتيال عدد عشرون قائد من قادة الجيش والحرس الثوري الإيراني المهمين جدا جدا فهم قادة الجيوش بإيران والممسكين بزمام أمور وقيادة الجيش وتشكيلاته العسكرية.
✓ وهذه الاغتيالات تمت بدقة مما يعني أن الاستهداف كان محدد بدقة ووصل إلى اغتيالهم بحجرات نومهم وفي أحياء سكنية بسيطة أو في مراكز الاجتماعات الخاصة بهم بقيادة الجيش..
ومما يعني تفوق الجهاز الاستخباراتي الاسرائيلي على نظيره الإيراني الذي لم يتعلم ثمة درس من أخر اغتيال للسيد/ إسماعيل هنية ـ قائد منظمة حماس الفلسطينية وهو في زيارته الحياتية الأخيرة لطهران.
٣ـ ضرب مفاعل ” نطنز ” ثلاث مرات متتالية وبفارق زمني بصواريخ خارقة للتحصينات لكي تصل الضربات إلى عمق الأرض الكائن بها المفاعل.
٤ـ ضرب مفاعل ” برشيم ” وهو المسؤل عن تطوير الرؤوس الحربية النووية.
٥ـ ضرب منطقتي ” خنداب وخرم باد ” وهي فيها مفاعل ” آرات ” لإنتاج الماء الثقيل المسؤل عن إنتاج البلوتونيوم المستخدم في صناعة القنبلة النووية، ومنطقة ” خرم باد ” التي أصبحت مؤخرا مختبرا للإختبارات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني.
٦ـ ضرب مداخل ومنافذ التهوية لمفاعل ” فوردو ” الخاص بتخصيب اليورانيوم، وهو أهم المنشآت العسكرية الإيرانية في البرنامج النووي والموجود في عمق جبال إيران، والذي إذا تحقق ضربه كاملا قد يكون كارثة بيئية واقتصادية يعاني منها العالم أجمع ـ لذا بدأنا نسمع أصوات رؤساء دول كبرى تتحدث عن خطورة ذلك وتطالب بوقف الحرب وهو الأمر الذي اتخذت على أثره مصر عدة إجراءات احترازية وقائية لرصد أية انبعاثات نووية حفاظا على أرواح المواطنين المصريين ـ.
وبالتالي هذه الضربات أخرجت المفاعل من الخدمة وأصبح غير صالح للاستخدام وإنتاج المواد النووية المطلوبة حاليا وبشكل مؤقت لحين انتهاء الحرب على الأقل.
٧ـ ضرب الدفاعات الجوية الإيرانية التي كانت تمنعها من دخول الأراضي الإيرانية فأصبحت الآن مستباحة بشكل فج.
٨ـ ضرب كل المواقع المسؤولة عن تخزين وإنتاج وتصنيع المواد المكملة للبرنامج النووي.
٩ـ ضرب أغلب المختبرات النووية المسؤولة عن البرنامج.
١٠ـ ضرب مراكز الاستخبارات الإيرانية حتى الموجود منها في الشقق السكنية وأحياء سكنية بسيطة مما يعني ضلوع إسرائيل في الاختراق الاستخباراتي لدولة إيران.
١١ـ ضرب بعض الأحياء السكنية التي يسكنها ويقيم فيها كبار الضباط والقادة بالجيش الإيراني.
١٢ـ ضرب كثير من الأبراج السكنية التي يقطن بها كبار السياسين الإيرانين.
١٣ـ قتل كثير من أُسر وعائلات الجيش والحرس الثوري الإيراني.
١٤ـ وتركت على قيد الحياة أكبر قيادة بإيران وهو المرشد الأعلى ” آية الله خامنئي ” ـ هذا له هدف استراتيجي ـ وذلك حتى تجد مسؤل كبير يوقع أو يوافق ويفوض بالتوقيع على الاتفاقية المفروض توقيعها اليوم الأحد الموافق ١٥ يونيه ٢٠٢٥ في الجولة السادسة من جوالات التفاوض بين القوتين ـ المتحاربين حاليا ـ في سلطنة عمان للموافقة على شروط التفاوض بالملف النووي، والتي اعتقد أن اللهجة ونقاط التفاوض المختلف عليها سابقا ستتغير كثيرا وسيتم طرح عدة نقاط جديدة لم تكن مطروحة من قبل، وقد لا يحدث تفاوض بالمرة وتصبح المسألة في إطار ” إنني ميت وأنهم ميتون “.
هذه الضربات حدثت في أقل من ساعة تقريبا من الضربات الإسرائيلية لإيران مما يؤكد أن إسرائيل حددت الأهداف وكانت تنتظر لحظة التنفيذ.
#الرد من إيران…
بالرغم من أن كل المؤشرات والمعلومات العادية ( ونفتح قوس للمعلومات العادية ) ـ وليست الاستخباراتية ـ كانت تعلن أن هناك حرب وشيكة الوقوع بين القوتين إلا أن الجانب الإيراني لم يأخذها على محمل الجد ولم يضع التقدير الحربي المناسب لتلك المعلومات العادية فمبالنا بالمعلومات الاستخباراتية والتي أصبحت في خبر كان مراكزها التي كانت مرصودة ومخترقة طوال الوقت من الإستخبارات الإسرائيلية وسَهُل ضربها.
والبنسبة للضربات الإيرانية لإسرائيل فتمت حتى كتابة هذه السطور على مدار يومين وبتوقيتات ( شبه معلنة ) ـ وهو ما يخالف العلوم العسكرية في استخدام عنصر المفاجأة ـ وبالتالي قامت بتوجيه عدة ضربات بالصواريخ البالستية الفرط صوتية والطائرات المسيرة ولكن دون تحديد أهداف عسكرية بعينها.. فقط فكرة الرد السريع والتحرك العسكري بأعلى مستوى بلهجة وأسلوب الغضب ومن ثم لم تنجم عنها النيل من أهداف عسكرية تشفي الصدور.
ولكن التحرك بهذا الشكل هو تحرك ” التلويش” وكأنها خناقة في شارع أو حارة دون تحديد أهداف مما لن يجعل لهذه الضربات سوى ” صدى فرقعة الصواريخ”.
وهذا يعني أيضا أنه لم يكن هناك سيناريوهات متوقعة من قبل الجانب الإيراني بخطط محددة في حالة الهجوم أو في حالة الرد مما أظهرها أنها بالونا كبيرا ممتلئا بالغازات ولكن .. ليست النووية.
لذا يتسائل العامة على مستوى العالم وبالأخص الدول الكارهة للجانب الإسرائيلي.. لماذا لم نرى أو نسمع عن خسائر بشرية مدنية أو اغتيالات أو قتل قيادات لضباط وعساكر في الجيش الإسرائيلي.. سوى ما أعلن عنه الجانب الإيراني من أسر قائدة الطائرة F35.. وهو أمر ـ حتى لو حدث ـ فهو يعتبر وليد الصدفة وليس بتدبير محكم..
لذا فالخسائر في الأرواح قليلة جدا جدا بفضل الجاهزية واللجوء للمخابيء والاستعداد لتلقي الرد..
وإنما كل ما أحدثته الضربات هي خسائر في منشآت مدنية .. على إثرها أعلنت إسرائيل أنه إذا تكرر ضرب المنشأت المدنية سيكون الرد بضرب المرافق والبنية التحتية بإيران وهو تصعيد خطير ويهدد بنسف واسقاط نظام وليس تصعيد عسكري فقط..
وإنما وجه الاستفادة الوحيد في الضربة الإيرانية هو أن ” تل أبيب ” ليست القوة المحصنة ضد أية هجمات من أي نوع..
هذا هو النجاح الذي نأخذه من الضربة الإيرانية ونقف على تحليله بعمق فيما بعد..
إذا فالحرب تحقيق أهداف ولابد للقائد أن يعلم الأهداف المطلوب تحقيقها وهو ما قاله الرئيس المصري/ محمد أنور السادات ـ رحمة الله عليه ـ عندما قيل له أن إسرائيل هددت بضرب عمق القاهرة فكان رده محدد وقال ” من الممكن أن تفعل ذلك ولكن الطيارون الإسرائيليون عند عودتهم لن يجدوا إسرائيل موجودة على وجه الأرض”، وهو قول مازالت اسرائيل تضعه في الإعتبار من جهة الجانب المصري.
إذا الهدف كان واضح من القيادة العسكرية العليا لمصر حينذاك.
وكذلك قول الرئيس/ عبدالفتاح السيسي – الحاسم وهو يتحدث بلغة بسيطة لكي يفهمها كل أبناء الشعب المصري بمختلف مستوياتهم الفكرية والثقافية بأنه ” لا أحد يُجرب مصر”.. “والعفي محدش يقدر ياكل لقمته ”
فهو قولٌ بسيط وسلسل ولكن العدو يفهمه جيدا ويعيه ومازال يدرسه ويدرس كثير مما أحدثه الرئيس عبدالفتاح السيسي في تغير شكل البنية التحتية والطرق الجديدة ورفع كفاءات المنظومات الدفاعية والهجومية والمعدات العسكرية وتنويع مصادر السلاح واستخدام التكنولوجيا بأقصى إمكاناتها لخدمة الجيش المصري العظيم حفظه الله.
لذا لا تأخذنا الفرحة بـ ” فرقعة الصواريخ ” الإيرانية كونها لم تحقق أهداف محددة ونحن مازالنا ننتظر منهم إعادة ترتيب الأولويات في تحقيق الأهداف وإعلان هدف مرحلي على الأقل ينم عن إستعادة الإتزان العسكري.
لذا فالحرب تشبه رقعة الشطرنج في حصار الملك عقب قتل واغتيال كبار القادة العسكريين باللعبة، وهو ما فعلته إسرائيل عندما اغتالت كل قيادات الجيش وتركت الملك وحيدا ” خمائني ” مأسورا ليوافق على ورقة التفاوض بشروط الأمريكان وبعض دول الخليج الحليف القوى لإسرائيل في هذه الحرب.
وبالرغم من تحيز وإعلان المساعدات العسكرية ومنها النووية من بعض الدول وعلى رأسها باكستان للجانب الإيراني.. ولكن لا أحد يساعد دون مأرب أو أطماع أو طموحات أو المشاركة في تقسيم التورتة.. لذا فأنا أحترم ـ وأختم مقالي التحليلي هذا ـ بقول الرئيس عبدالفتاح السيسي ” العفي محدش يقدر ياكل لقمته “.
مقال تحليلي يقدمه المستشار/ ياسين عبدالمنعم ياسين ـ
*رئيس مؤسسة البرلمان المصري ـ خريج برامج ودورات تثقيف ” الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية”.