عادت حركة طالبان من جديد لتخطف المشهد من كل الحركات والمنظمات والجماعات الايدولوجية الأخرى ، ويعود أول ظهور لهذه الحركة الى عام ١٩٩٤م وهو تاريخ تأسيسها على يد الملا محمد عمر ، وطالبان تعني بلغة الباشتو (الطلبة) وتضم مجموعة من المقاتلين الذين حاربوا السوفيت وأخرجوهم من أراضيهم بمساعدة ودعم من المخابرات الأمريكية ، وفي غضون سنتين فقط من تأسيسها استطاعت طالبان أن تستولي على كابول العاصمة وتعلن إقامة إمارة اسلامية بالبلاد في عام ١٩٩٦م ، واستمر حكمهم حتى عام ٢٠٠١م وقد ذاق الشعب الأفغاني الأمرين من تشددهم طيلة فترة حكمهم .
غابت طالبان عن الأنظار وابتعدت عن المشهد السياسي لمدة عشرين سنة ، وظن العالم أنها انهارت ولم يعد لها وجود ، حتى أن زعيمها الملا محمد عمر عندما مات في عام ٢٠١٣م لم تعلن الحركة عن وفاته الا في عام ٢٠١٥م ، وهذا الملا عمر كان لغزا في حد ذاته فلم يكن أحد يعرف شكله وملامح وجهه فكان غير مسموح الاقتراب منه أو تصويره أو نشر صوره حتى القديمة منها ، وله في الاعلام صورة وحيدة لا تبرز أي من ملامحه ، أما رجاله فكلهم يحملون السلاح على أكتافهم ولا يفارقهم في كل تجمعاتهم وتحركاتهم وحتى في صلواتهم فنشروا الرعب في المجتمع الافغاني وحوصرت النساء في منازلهن.
في مقولة شهيرة للزعيم الراحل الرئيس أنور السادات قال فيها ” تسعة وتسعين في المائة من أوراق اللعبة في يد الأمريكان ” قالها رحمه الله في ذلك الوقت قاصدا بها القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي ، الا ان الامريكان اليوم يملكون أوراق اللعبة كلها في جميع قضايا المنطقة والعالم ، ويتخذون من الجماعات القائمة على مرجعيات ايدلوجية قاعدة لانطلاق لعبتهم حول العالم ، فكما كان للأمريكان الفضل في ظهور طالبان في عام ١٩٩٤م كان لهم الكلمة في اختفائهم عام ٢٠٠١م ، وها هم يعيدوهم للسلطة مرة أخرى في عام ٢٠٢١م وقد يرتبط توقيت هذا الرجوع بفقدان الامريكان لورقة الاخوان المسلمين بعد أن أصبحوا كارتا محروقا وكذا الحال بالنسبة لداعش الذين يبحثون لهم عن ملاذ يأويهم ، فهل هناك تفسير آخر غير ذلك .
لقد عبرت المشاهد الأخيرة عن حالة الهلع التي أصابت الشعب الأفغاني من عودة طالبان للحكم بعد غياب ، ولسان حالهم يقول:
( والله زمان يا طالبان )
لكن هل سيكون حكم طالبان لافغانستان متشددا كما كان في أول مرة ، فالوضع الآن مختلف بعد أن تمتع الأفغان بقدر من الحريات والحقوق الطبيعية وبعد أن أصبح العالم كله بفضل ثورة الاتصالات عبارة عن غرفة وصالة .
الأيام القادمة ستجيب على هذا السؤال الذي يشغل الافغان ويحير المراقبين.