
الدكتور/ سعدون بن حسين الحمداني الدكتور سعدون الحمداني: دبلوماسي سابق – عضو جمعية الصحفيّين العمانية
يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس على مدى الزمن بأن تاريخ الدبلوماسية يبدأ من القرن السابع عشر أو السادس عشر ومن الغرب حصرا وبأصول ومفاهيم بسيطة بفن الدبلوماسية وأقسامه من البرتوكول والإتكيت/ لغة الجسد/ الإدارة/ العلاقات العامة/ التفاوض والتشاور/ إتكيت الدعوات/ الملابس/ الاكل/ الأسبقية وغيرها من الفروع والاقسام وكل ما يتعلق بهذا العلم، إلا أن الحقيقة بأن الدين الإسلامي كان هو الأقدم في ذلك في وضع النقاط فوق الحروف وأسس من خلال رسولنا الكريم أعظم مبادئ لفن الدبلوماسية ، حيث أحتوى القرآن الكريم على أرقى المفاهيم في كل تفاصيل الحياة وعلى مدى الدهر سواء في الماضي أو المستقبل ومنها فن الدبلوماسية بقوله تعالى : “وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” 27 سورة الزمر، وهو ما يثبت ويدلل ويوضح بأن القرآن الكريم قد تطرق الى كل جانب من جوانب الحياة اليومية وكذلك بقوله تعالى : “……وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا…..” 49 سورة الكهف، وهي ايضاً دلالة واضحة بان القرآن الكريم قد أحصى وتتطرق الى كل مفردات الحياة اليومية وما علينا إلا التفحص والتعلم من هذه المفردات الكونية الربانية التي نزلت من رب السموات والارض عالم الغيب والشهادة وبقوله تعالى : “وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ” 6 سورة النمل، وكذلك تطرق الله سبحانه وتعالى الى القيمة العظيمة والالهية للقرآن الكريم وكيف تتطرق الى كثير من المفاهيم التي يحتاجها الانسان بقوله تعالى: “وكل شيء أحصيناه في إمام مبين” 12 سورة يس ، والمقصود حسب بعض التفسيرات أن الامام المبين هو القران الكريم أو ام الكتاب لاحتوائه وبصورة متكاملة على كل المعلومات الرصينة لكون منزل من رب السموات والارض.
على سبيل المثال تحدث القرآن الكريم الى فن الادارة وكيفية اعتماد مبدأ الاهم ثم المهم قول الله تعالى): الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) 59 سورة الفرقان ، هذه الآية الكريمة تعطينا أكبر وأهم درس في علم الادارة وكيفية ترتيب الاعمال حسب أهميتها وكيفية ان تكون في غاية الدقة والوضوح ، نحن لا نناقش المعني الفقهي والديني لهذه الآية الكريمة بقدر ما نأخذ منها المواعظ والحكم فالكل يعرف أن الله جل وعلا أستوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، أنه خالق السماوات والأرض وما بينهما وبعد بسته أيام ليعطينا درساً كبيرأً في انجاز الاعمال وكيفية تقسيم الوقت والاهمية بحيث تكون على اعلى درجات الدقة والوضوح ,ان الله سبحانه وتعالى كان بإمكانه أن يخلق السموات والأرض كلمح البصر ولكن جعلها لنا درسا نستفاد منه من ناحية الاهمية والترتيب والوقت والألوية بالأمور.
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن فن التفاوض، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ في كثير من الآيات القرآنية الكريمة ليعطينا درسا للاقتداء به وممارسته في حياتنا العملية ، فالله – سبحانه وتعالى- يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمة وإعدادها للقيادة الرشيدة أن تُربَّى بالتفاوض وتبادل الآراء والمشورة للوصول إلى أفضل الحلول، والتدرب على خاصية الإقناع والتفاوض قال تعالى : “فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا” 233 سورة البقرة ، هذه الآية الكريمة تعطينا درسًا في كيفية التفاوض والوصول إلى أفضل النتائج بعد التشاور والتباحث بالأمر مما كانت المشكلة، وقال تعالى” وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ … 46 سورة الأنفال، وهذه إحدى نقاط ضعف وسلبيات فريق التفاوض إذ حصل خلاف في الآراء وكيفية طرق التفاوض بين المجموعة وإن فشلوا بالوصول إلى هدف المفاوضات وبالتالي فإن النتائج سوف تكون مدمرة وتؤدي إلى الشقاق وضياع الهدف المرجو.
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن أتكيت الاكل والاعتدال وعدم الإسراف في الطعام في عدة آيات قرآنية ، قال تعالى : “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا” 31 سورة الأعراف، قال تعالى: “كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غضبي…“ 81 سورة طه، وهو تنبيه إلهي لنا بعدم الإسراف في الأكل وتحضير كميات كبيرة من دون داعٍ لهذا الإسراف تحت مسميات الكرم وعادات القبيلة ورمي المتبقي منه في سلة النفايات وهو مخالف للشريعة والاعراف الانسانية.
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن العلاقات العامة والاعلام والمصداقية في نقل وسرعة الخبر قال تعالى : “قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي…“ 40 سورة النمل ، وفي فن كتابة الأخبار ولباقة اللسان واختيار الكلمة والعبارات المتزنة والهادفة وغيرها قال تعالى: “وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ” 34 سورة القصص.
وقد تحدَّث القرآن الكريم عن أن أتكيت وآداب نبرة الصوت وما يحمله من أدب التعامل يعكس صورة حضارية وراقية وسوف ينظر لك الجميع بكل إحترام وتقدير لما له من سمات جميلة وحساسة وهادئة ولا ننسى اختيار الكلمات المناسبة والمتداولة على العكس من الصوت المرتفع والنبرة العالية المستهجنة من أغلبية افراد المجتمع وأكد الخالق على أهمية خفض الصوت لما له من هيبة ووقار قال تعالى: “وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ” 12 سورة لقمان.