ما أن بدأ العالم يلتقط أنفاسه من جائحة كورونا حتى فوجئ باندلاع الحرب في شبه جزيرة القرم بين روسيا وأوكرانيا ، حرب لا معن لها ، لا فائز فيها ولا ناج منها ، ولا أحد في منأ عنها وإن تشاسعت المسافات .
كنا نتصور في بادئ الأمر إنها مجرد مناوشات بين دولتي جوار كانتا في وقت سابق جزء من كيان واحد كبير أسمه الاتحاد السوفيتي انهار بفعل فاعل فانقسم الى دويلات متخاصمة متنافسة متنازعة ، تماما مثل العائلة التي فقدت عائلها فتصارع أعضائها على الميراث ، لكن تسارعت الأحداث وتطورت ودقت الحرب طبولها واخترقت مدافعها الأذان في وقت ولى فيه زمن الشرفاء واختفى فيه دور العقلاء ولا يتحكم فيه الا الوسطاء تجار الحروب من الأغنياء الذين يستحلون دماء الأبرياء ، نعم تلك حقيقة وأصحاب المصالح دائما هم المحرضون .
الحرب بين قوتين لا يستهان بهما وان كانت الكفة تميل لصالح الجانب الروسي فإن للأوكرانيين موازين أخرى ، وإذا ما استمرت الحرب طويلا وهذا المتوقع ، سيصبح العالم على شفا أزمة اقتصادية طاحنة وموجة تضخم لا مثيل لها ، فروسيا تمتلك أكثر من ٣٠ ٪ من الموارد الطبيعية على مستوى العالم من النفط والغاز والمعادن النفيسة ، والثانية في صادرات السلاح بالاضافة الى زراعتها للقمح والتي تلبي به معظم احتياجات الدول المستهلكة له في العالم ، أما أوكرانيا فتمتلك أكبر احتياطي من خام اليورانيوم ولديها إحتياطات هائلة من التيتانيوم والمنجنيز والحديد وخام الزئبق ، وتتمتع أوكرانيا كذلك بمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية فهي المصدر الأول لزيوت عباد الشمس وتمد العالم بالشعير والقمح والذرة ، وهي قادرة على توفير الغذاء لنحو ٦٠٠ مليون نسمة من سكان العالم .
وهنا تكمن المشكلة فالدولتان تحتكمان على مصادر طبيعية متنوعة تعتمد كثير من الدول عليها في صناعاتها وتلبية متطلبات شعوبها من الغذاء ، ومن الطبيعي أن نشهد موجة الغلاء الفاحشة التي تجتاح العالم حاليا عقب اندلاع هذه الحرب والتي تسببت في نقص سلاسل الامداد وشح في المواد وأدت الى ارتباك في أسواق المال وتذبذب في أسعار العملات وارتفاع في معدلات التضخم ، ومن المنطقي أيضا أن تتأثر مصر كغيرها من الدول بتداعيات هذه الحرب التي ما كان يجب ان تندلع في هذا التوقيت الحرج فجراح الجائحة لازالت ساخنة ولم تندمل .