بسم الله الرحمن الرحيم
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
﴿المجادلة 11﴾
حبا الله مصر بنخب متميزة من علماء الإسلام والدعاة والمفسرين الذين ساهموا بواسع علمهم في نشر صحيح الدين في العالم ، ومّنَ الله على أهلها بعذوبة الصوت في قراءة القرآن الكريم وترتيله وتجويده ، وروعة الأداء في الإنشاد والابتهال .. ومن حق أولئك الذين أمتعونا أن نتذكرهم ولو باستعراض جزء من سيرتهم فإن فضلهم علينا عظيما ، وقصتنا اليوم مع:
( الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي)
كان يوصف بعمدة التلاوة لصوته الندي في التجويد والترتيل الذي يأخذك إلى عالم من الخشوع والتدبر في آيات الله وملكوته ، إنه الشيخ عبد الفتاح محمود إبراهيم الشعشاعي الذي ولد في قرية شعشاع بالمنوفية فِي 21 مارس عام 1890م، والتي سميت على اسم جده ، حفظ القرآن الكريم على يد والده وهو في سن العاشرة ثم سافر إلى طنطا لطلب العلم من المسجد الأحمدي، وتعلم التجويد وأصول المد بالطريقة العادية ، فغادر إلى القاهرة وسكن بحي الدرب الأحمر والتحق بالأزهر الشريف ودرس هناك القراءات على يد الشيخ بيومي والشيخ على سبيع.
بدأت شهرة الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي من الليلة الختامية لمولد الحسين (رضي الله عنه) عندما دخل ليقرأ مع أعظم وأنبغ المقرئين في بداية القرن العشرين أمثال الشيخ محمد رفعت والشيخ أحمد ندا والشيخ علي محمود والشيخ العيسوي والشيخ محمد جاد الله، ومنذ تلك الليلة انطلق صوته إلى العالم الإسلامي وأصبح له مكان في القمة وأصبح له مريدون وتلاميذ ومنهم الشيخ محمود علي البنا والشيخ أبوالعينين شعيشع وغيرهما كثير.
كَوَّن الشعشاعي فرقة للتواشيح الدينية وكان في بطانته الشيخ زكريا أحمد والذي ذاع صيته فيما بعد، وسرعان ما بدأ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي يتألق ويلمع وأصبح له عشاق بالألوف ولكن فرقة التواشيح لم تكن ترضي طموح الشيخ الشعشاعي فغامر وألقى بنفسه في البحر الذي يتصارع فيه العمالقة في التلاوة، فقرأ في مأتم سعد زغلول باشا، وعدلي يكن باشا، وثروت باشا، فأصبح الشعشاعي الذي نعرفه الآن . ومنذ عام 1930م تفرغ الشيخ الشعشاعي لتلاوة القرآن الكريم وترك التواشيح إلى غير رجعة، ومع ذلك لم ينسَ رفاقه في الدرب فقرر تخصيص رواتب شهرية لهم حتى وفاتهم.
التحق الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي بـ الإذاعة المصرية عند افتتاحها، فكان ثاني قارئ يقرأ بها فِي عام 1934م بعد الشيخ محمد رفعت ، ثم عُين قارئاً لـ مسجد السيدة نفيسة ، ثم مسجد السيدة زينب عام 1939م ، و يعتبر الشيخ الشعشاعي أول من تلا القرآن الكريم بمكبرات الصوت في المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة.
حاز الشعشاعي علي العديد من الأوسمة من وزارة الأوقاف أثناء حياته ، وحصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بعد مماته وبالتحديد في عام 1990م تقديراً لدوره في مجال تلاوة القرآن.
توفي القارئ الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي في 11 نوفمبر عام 1962م عن عمر يناهز 72 عامًا قضاها في خدمة القرآن الكريم وترك مكتبة صوتية للقرآن الكريم تضم أكثر من (400) تسجيلا وسار أبنه إبراهيم على دربه فتألق وجابت شهرته الآفاق.
رحم الله شيخنا الجليل فضيلة القارئ الشيخ/ عبد الفتاح الشعشاعي.