في بداية شهر ديسمبر الجاري أعلن جهاز أحد أجهزة المدن الجديدة عن فتح باب الترشح لعضوية مجلس أمناء المدينة فتقدمت إحدى المواطنات بأوراق ترشحها للجهاز ، وخلال اجتماعها مع أعضاء اللجنة المكلفة بمقابلة المرشحين وتقييمهم تم منحها خمس دقائق للحديث عن المشكلات والسلبيات التي تعاني منها المدينة وسكانها وطرق معالجتها من وجهة نظرها ، وتفاجأ الحاضرون بسرد المتحدثة لكم غير قليل من السلبيات كانوا يظنون انها خافية أو يصعب رصدها وتعجبوا أكثر حين طرحت عليهم بعض الرؤى والأفكار المبتكرة التي تساهم في حل مشكلات المدينة وتقضي على الظواهر السلبية التي تحول دون تقدمها وتطورها ، وكلما اقترحت فكرة استخفوا بها أو استصعبوا تطبيقها معللين ذلك بأنهم محكومون بالقانون، في حين أنها لم تطلب منهم مخالفة القانون بل تحكيم العقول في تطبيقه.
انتهت المقابلة وتوقعت المواطنة استبعادها لنفس الأسباب التي استبعدت من أجلها في الدورة السابقة.
ومن باب الفضول أردت أن أتعرف على بعض مما طرحته هذه المواطنة على اللجنة الموقرة من مقترحات أدت الى شعورها بحتمية استبعادها قبل اعلان النتائج ، فأعطتني نبذة عن مقترح واحد من هذه المقترحات وكان كالتالي :
في بداية المقترح انتقدت المواطنة المشهد المتكرر الذي يتباهى به مجلس المدينة على صفحته الرسمية بنشر صور رجاله وهم يحطمون واجهات المحال التجارية المخالفة ويصادرون منقولاتها وكأنه عمل بطولي سيقضي على ظاهرة المخالفات والعشوائيات في المدينة وأوضحت لهم أن ما يحدث ما هو الا عمل استعراضي الغرض منه النشر ولن يحل المشكلة بل أضراره أكثر من منافعه فهؤلاء اجتهدوا ووضعوا كل ما يملكونه في هذا المشروع الصغير ، والله وحده اعلم كيف دبروا تكاليفه وكم استدانوا على امل أن يحقق لهم دخلا يساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة بدلا من الانتظار للبحث عن فرصة عمل او التفكير في الهجرة غير الشرعية او الانحراف ( لا قدر الله ) ويجب علينا أن نساعدهم لا نقطع أرزاقهم ، ويمكن منحهم مهلة لتصحيح اوضاعهم مع تبسيط الاجراءات وتخفيض الرسوم والتدرج في استيفاء الشروط وبذلك نكون قد حققنا الغرض وفرضنا القانون بالحكمة ، انتهت فكرتها والغريب ان هذا المقترح لم يلق استحسانهم بحجة أنه يخالف القانون.
راق لي الكتابة عن هذه الواقعة بعد الاستماع الى توجيهات السيد الرئيس الأخيرة خلال افتتاحه عددا من المشروعات القومية الكبرى في بعض المحافظات والتي وجه فيها الحكومة بدراسة تقنين أوضاع المصانع المخالفة لتصحيح مسارهم والدعوة لمبادرة تهدف الى التعاون والعمل معا فالدولة لديها حكومة بناء وليس حكومة للحساب ، هكذا يفكر الرئيس وهكذا يفكر الآخرون !
إن العقول المتحجرة لا تصلح للإدارة حاليا فاليوم ليس كالأمس والغد سيكون أكثر اختلافا.