>> تشريعات للقضاء على إستغلال المسنين في مصر ومطالب بدور رعاية بالمجان.
>> رئيس الجمعية الطبية للمسنين: 40 مليونا لإفتتاح مستشفي خاص بالمسنين بالتعاون مع مؤسسة مصر الخير.
>> قصص وحكايات المسنين بالتضامن الاجتماعي ترويها ” الساعة “.
كتبت: هبة صلاح خليل.
في لقاء تشاوري بوزارة التضامن الإجتماعي، ضم ممثلين عن ” الداخلية والصحة ” والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، وممثلين عن المجلس القومي للسكان والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وعدد من منظمات المجتمع المدني، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة/ غادة والي – أن الوزارة أطلقت برنامجا جديدا يهدف لتطوير دور المسنين من حيث البنية الأساسية وبناء القدرات التي تتعامل مع المسنين، وتم تخصيص 12.5 مليون جنيه لهذا البرنامج.
اللقاء الذي استمر ثلاث ساعات مع مسئولي الوزارة، استطاع تكوين صورة عن عدة تشريعات ضرورية لمستقبل المسنين في مصر، أهمها إنشاء مشروع قانون يحمي المسن من جليسه حتي لا يستطيع إلحاق الأذي بالمسنين، وتشريع يلزم الدولة بإنشاء دور للمسنين بالمجان، بدلاً من دور المسنين الإستثمارية التي يقع معظمها بمحافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية، وذلك من خلال إلزام كل وزارة أو نقابة بإنشاء دور لرعاية المسنين لكبار السن ممن كانوا ملحقين أو تابعين لها، بحيث تكون وزارة التضامن الإجتماعي مشرف فقط علي تلك الدور.
كما ناقش اللقاء أهمية الدور الإعلامي وضرورة تسليط الضوء علي قضايا المسنين في مصر، خاصة وأنهم يعتبرون فئة مهمشة لا يذكرهم الإعلام في برامجه كالأيتام، وأعلنت الدكتورة/ هالة سمير – رئيس الجمعية الطبية للمسنين بجامعة عين شمس – عن إفتتاح مستشفي خاص بالمسنين لرعايتهم طبياً بمستشفي جامعة عين شمس بالتعاون مع مؤسسة مصر الخير، مع بداية الجديد 2018 ، المستشفي التي بلغت تكلفتها 40 مليون جنيها، وبها كافة التخصصات الخاصة بالمسنين مقسمه علي 7 أدوار، أهمها قسم العناية المركزة، وقسم الرعاية النهارية لأول مره بمصر ، وقسم للرعاية الممتده وقسم خاص بالعظام وقسم بالباطنة، وغيرها من الأقسام الخاصة برعاية المسنين طبياً ونفسياً.
ومن ناحية أخري، حملت الندوة جوانب إنسانية كان لابد وأن ترصدها جريدة “الساعة“، لما تحمله من دروس وقصص إنسانية لم نستطع إغفالها، فالمسنين بشر حملوا إلينا تجاربهم في الحياة التي عاشوها بكل ما أوتوا من قوة، ليجلسوا بين أروقة وزارة التضامن الإجتماعي فرحين بما وصلوا إليه وبحياتهم في دار المسنين، دون خجل أو خوف منها، فبمجرد الدخول لقاعة المؤتمرات بالوزارة، لاحظت رجل مسن يحمل في نظراته وطريقة جلسته قوة رجل أربعيني بالرغم من بلوغه الثالثة والسبعون عام، اقتربت منه فاعتدل في جلسته وابتسم ورحب بالحديث معي حول أي استفسار.
الغيرة القاتلة ..
“محمود السيد“ ظابط مراقبة بحرية سابق، وأحد نزلاء دار الوداد بالإسكندرية، جاء إلي الندوة بدعوة من الوزارة لرغبته في التعرف علي معطيات الدولة للمسنين خلال الفترة القادمة، بدأ رحلة حياته علي رصيف 10 بميناء الإسكندرية، فهو كان ظابط ارشادي للملاحين والمرشدين في الميناء، تزوج من سيدة قال عنها أنها كانت حب عمره، ثم سافرا معاً لهولندا التي ظلوا فيها ل6 سنوات ثم ذهبوا لدبي حتي عودته لمصر وخروجه علي المعاش، إلا أن الحياة لم تهبه الإستقرار والسعادة التي كان يحلم بها مع زوجته، بالرغم من أنه أب لثلاثة أبناء، فبمجرد أن بدأ حديثه قال ” إياكي والغيرة فهي إن زادت عن حدها تصبح قاتلة، وهو ما حدث معي، فبالرغم من أنني كنت زوج مخلص وأسعي دائما لإسعاد أسرتي الصغيره من خلال توفير الوقت والجهد والمال إلا أنها كانت غيوره بشكل بشع كان يجعلها تفتعل المشكلات يومياً علي أسباب غير منطقيه بسبب الغيره التي كانت تكبر داخلها يومياً ، ولكن اشتدت قواها بعد زواج أخر أبنائنا وهو ما جعلني أختار الإنفصال عنها والبحث عن أي ملجأ بعيداً عن المشاكل، وهنا بدأت رحلة عذاب لم أحسب لها في حياتي أي حسابات أو أضع لها تخيلات ، حيث استأجرت شقه مفروشه دون أن أعلم أحد بمكاني، ولأول مرة في حياتي أعتمدت علي نفسي في كل شئ بعد أن كنت كالطفل المدلل، وهو ما أشعرني بالألم الشديد حتي اضطر أحد أصدقائي المقربين لي أن يقدم أوراقي دون علمي لدار الوداد للمسنين بسبب رفضي للموضوع حتي أنه قال لي ” لو مت ماحدش هايحس بيك ” وبعد إلحاح شديد منه وافقت، وحين ذهبت لرؤية الدار ووجدت رفقه من سني شعرت أنه المكان الملائم الذي يجب أن أقضي الجزء الباقي من حياتي فيه، والحمدلله أنه كان قرار لم أندم عليه لحظة واحدة علي الرغم من إعتراض أبنائي عليه ” .
أبناء ذهبوا لمشقات الحياة ..
وفي الجهة المقابله من الدائرة المستديرة كانت تجلس السيدة/ كريمة أبو الفتوح – ذات السادسة والخمسون عام، إحدي نزلاء دار سيدات مصر للمسنين بمصر الجديدة، فهي سيدة مصرية ذات وجه بشوش، تحمل في طياتها ملامح الأم التي كافحت وتحملت لتربية أبنائها الثلاث، حتي أوصلتهم لمراكز مرموقة.
عاشت حياتها ربة منزل في أحد أحياء مصر الجديده الراقية ، ولكنها بعد وفاة زوجها منذ 6 سنوات ، لم تشعر بالأنس والرفقه في منزلها الذي يتكون من دورين رغم وجود ابنها الأصغر وزوجته وأبنه برفقتها في المنزل ، ولكن انشغاله المستمر هو وزوجته بسبب صعوبة الظروف الحياتيه ، جعلها وحيده في منزلها الذي كانت تتعرف علي جدرانه بين الحين والآخر بسبب عزلتها الإضطرارية في غرفتها طوال اليوم لمعاناتها من الخشونة في الركبة، ومن هنا جاءت لها فكرة اللجوء لدار سيدات مصر للمسنين، التي أصبحت تري فيه أبنائها ثلاث مرات في اليوم بينما لم تكن تشاهدهم خلال وجودها معهم في منزل واحد سوي بين الحين والآخر. فتقول ” أبنائي اعترضوا وبكوا حينما ذهبت من ورائهم لدار المسنين، ولكنني قلت لهم أنتم ليسوا أطفال بل رجال وفي عنقكم أسر ولكم حق الإهتمام بهم، عيشوا حياتكم واتركوني أعيش حياتي كما يحلوا لي، ومنذ علمهم أصبحوا لا يفارقونني، حيث يأتون لي بالفطار صباحاً يومياً ثم بالغداء الذي يصرون علي جلبه لي رغم وجود غذاء جيد جداً يوفره الدار، لكن ابني يقول لي دعيني أرتاح حين أطعمك لقمتك بيدي، بعد انتقالي للدار أصبحت سعيدة، فأنا أخرج وأتكيف مع أناس من سني وأبنائي أصبحت أشاهدهم بصفه مستمرة لم أكن أحظي بها طوال عامين قبل اتخاذي قرار اللجوء إلي الدار.
وحدة موحشة ..
وإلي جانبها كان يجلس المهندس الزراعي/ مصطفي عبد السميع – الذي يبلغ من العمر سبعين عاماً، بدأ حديثه بالحمدلله علي قرار لجوءه للإقامة في دار المسنين، فهو رجل عاش حياة كانت مليئه بالترف والإستقرار والسعاده مع زوجته التي توفيت منذ أربع سنوات، رغم أنهم لم يرزقوا بأبناء، ولكن الحب والتفاهم الذي كان بينهم لم يعكر صفو حياتهم ، حتي اختارها الله لتسكن بجواره ، وهنا بدأ الإحساس بالوحده القاتله التي كادت أن تصيبه بالإكتئاب، حتي نصحه أحد أقرباءه بالذهاب لأحد دور المسنين ، وبالفعل كانت نصيحه غاليه حولت حياته من حياة قاسيه لحياة جديده أصبح سعيد بها .
ذكريات في مراكز مرموقة !..
وفي أحد الأركان القابعة علي الدائرة المستديره ، كانت تجلس سيدة لم يبدو عليها الإنسجام كثيراً مع من حولها، تملئها انفعالات الترقب والإنتظار حتي يبدأ اجتماع تم دعوتها إليه دون أن تدري ما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك، مع بدايات اقترابي منها رفضت الحديث لأي وسيله إعلامية ، ثم وافقت علي الحديث مع ” الساعة ” دون الإدلاء بإسمها، ثم علمت بعد ذلك أن لديها أبنة وحيده متزوجه من رجل يشغل مركز مرموق لا يعلم أن أمها تسكن دار مسنين حتي الان !
فهي امرأه تبلغ الثامنة والستون عام، تنحدر من أسره مرموقة كانت تسكن بمنطقة الشاطبي، ولهوايتها للرسم تركت مهنة الصديلة لتتفرغ لإفتتاح المعارض الفنية، إلا أنها لم تستطع ذلك بعد زواجها وإنجابها لإبنتها الوحيدة، وهو الأمر الذي جعل موهبتها تقتصر علي غرفتها الفنية في منزلها، ومرت الأيام حتي تزوجت ابنتها وسافرت مع زوجها إلي كندا وتركتها مع زوجها الذي لم يمهلهما القدر فرصة كبيرة للعيش معاً بعد خروجه للمعاش سوي عام واحد، ظلت بعده عامان وحيدة في منزل كبير ومخيف، لم تري خلال تلك المدة ابنتها سوي مرة واحدة بسبب ظروف عمل زوجها، وبعد معاناة قررت الإقامة في دار للمسنين خوفاً من العيش بمفردها بين جدران الذكريات، الذي يلاحقها أينما ذهبت حتي أصابها بالإكتئاب والسكر حزناً علي ما فات، ورغم ظروف مرضها إعترضت إبنتها علي قرار وجودها في الدار بشدة، مما جعلها تحدثها مرة كل شهر للإطمئنان عليها فقط، وهو ما جعل الأم الرقيقة ترفض استقبال مكالمات ابنتها للإطمئنان عليها منذ عدة أشهر، وتفضل الإستمتاع بما هو باق في حياتها مع أناس يسألون عليها دون الحاجة لمال ودون كره لوضعها الحالي.
أبناء ولكن ..
أما ” السيد حمدي “- الموظف السابق بأحد شركات الأدوية بإحدي دول الخليج، والذي ترك عمله بسبب ظروف الثورة وعاد لمصر ليعيش وسط أبناءه وأحفاده، إلا أنه بعد بلوغه السبعين عام توفيت رفيقة دربه وتركه ابنه للبحث عن رزقه في الإمارات بينما لم تتركه ابنته التي كانت تخصص له ساعتان يومياً لتأتيه وترعي احتياجاته إلي جانب احتياجات زوجها وأبنائها ، ولكنه فضل أن لا يحملها ما لا طاقة لها به ، وأن يخلصها من مسئوليتة ليختار السكن في دار مسنين بها من يهتم به دون الشعور بأي حرج ، وبعيون دامعه اعترف أنه علي الرغم من سعادته بقراره إلا انه حزين لغضب ابنه من هذا القرار والذي جعله يرفض مكالمة ابيه منذ عام تقريباً .
وبنفس راضيه وبملامح رجل مسن ضاحك ومستبشر بالحياه رغم كبر سنه ، كان الأستاذ/ سيد – ذو السادسه والسبعين عاماً يجلس باشتياق لما ستحمله الندوه للمسنين في مصر ، وبكل حكمه وذكاء كان ينتظر بدئ الندوه لتوصيل رسالة صديقه المسن ، ورفيقه في الدار منذ سبعة عشر عام ! فهو يعاني من هشاشة عظام يحتاج للعلاج الطبيعي بصفه مستمره حتي يستطيع الحركه لقضاء حاجاته اليومية وليس حتي للخروج، فهو طالب أن يكون هناك قسم للعلاج الطبيعي إلي جانب الخدمات الطبية التي تقدمها دور المسنين لحاجة البعض الشديده لمثل تلك الخدمات.
قساوة الحياة تنتهي به في دار للمسنين ..
أما الأستاذ/ أحمد – أحد نزلاء دار المسنين بطنطا والذي تنهد بشده قبل بدأ حديثه، فهو رجل مسن يحمل بين قسمات وجه حياة كامله عاشها بحلوها ومرها، فهو علم العديد من الأجيال ليس بمصر فقط بل في العديد من الدول العربيه، حتي توفيت زوجته وتركت له ابنتان ، احداهما تزوجت والثانيه كانت حديثة التخرج من كلية العلوم قسم الفيزياء. فعاد إلي مصر يحمل إليها فكر لم يقدره التعليم المصري، فقرر الإنزواء في بيته الذي لم يعد به حياة بعد وفاة ابنته الصغري ياسمين في حادث سيارة، خاصة وأنه كان شديد التعلق بها، ومنذ ذلك الحين قرر أن يلجأ للعيش في دار المسنين، هرباً من وحدة قاتلة وذكريات لم تعد تفيد إستعادة المؤلم منها.