بسم الله الرحمن الرحيم
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
﴿المجادلة 11﴾
حبا الله مصر بنخب متميزة من علماء الإسلام والدعاة والمفسرين الذين ساهموا بواسع علمهم في نشر صحيح الدين في العالم ، ومّنَ الله على أهلها بعذوبة الصوت في قراءة القرآن الكريم وترتيله وتجويده ، وروعة الأداء في الإنشاد والابتهال .. ومن حق أولئك الذين أمتعونا أن نتذكرهم ولو باستعراض جزء من سيرتهم فإن فضلهم علينا عظيما ، وقصتنا اليوم مع:
( الشيخ محمود الطبلاوي)
آخر صوت من قراء الزمن الجميل ، أيوب المقرئين ونقيب القراء الشيخ محمد محمود الطبلاوي الذي بدأ في حفظ القرآن الكريم وهو في الرابعة من عمره وأتمه حفظاً وتجويدا وهو في العاشرة وامتدت مسيرته في خدمة القرآن الكريم لأكثر من ستين عاماً .
ولد الشيخ محمد محمود الطبلاوي في الرابع عشر من نوفمبر عام 1934م في حي ميت عقبة بمحافظة الجيزة، وكان هذا الحي في ذلك الحين عبارة عن قرية صغيرة تشتهر بانتشار كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم ، ومن أحد هذه الكتاتيب تعلم الطفل محمد الطبلاوي ، وانطلق في رحلته الإيمانية وهو في الثانية عشرة من عمره وما أن بلغ الخامسة عشر حتى ذاعت شهرته في محافظات القاهرة الكبرى وأحيائها وضواحيها وأصبح يطلب بالاسم لإحياء المآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة ليقرأ بجوار مشاهير قراء الإذاعة المصرية ويحتل بينهم مكانة عالية ، ليكون فيما بعد القارئ المفضل لكثير من العائلات الكبرى نظرًا لقوة أدائه وقدراته العالية وروحه الشابة التي كانت تساعده على القراءة المتواصلة لمدة تزيد على الساعتين.
لقُب بـ أيوب المقرئين ، لطول صبره وإصراره على النجاح ، فقد تقدم للالتحاق بالإذاعة تسع مرات متتالية ولم يوفق في نيل القبول ، لكنه لم ييأس ولم تهتز ثقته بنفسه وأعاد المحاولة ، وفي المرة العاشرة حصل على تقدير(امتياز) وتم اعتماده قارئًا بالإذاعة المصرية بالإجماع ، وأشاد المختصون بإمكاناته العالية وقدرته الفائقة على الانتقال من مقام موسيقي إلى مقام آخر ، ليتربع الشيخ محمد محمود الطبلاوي مع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ، على عرش القراءة في مصر والعالم الإسلامي منذ التحاقهما بالإذاعة المصرية وطوال حياتهما وبعد رحيلهما.
سافر الشيخ محمد محمود الطبلاوي الى أكثر من ثمانين دولة عربية وإسلامية وأجنبية بدعوات خاصة أحياناً ، ومبعوثًا أو موفداً من قبل وزارة الأوقاف والأزهر الشريف أحياناً أخرى ، وقد مثل مصر في العديد من المؤتمرات وكان محكمًا لكثير من المسابقات الدولية لحفظ القرآن ، وقد لبى الشيخ الطبلاوي دعوة ليتلو القرآن أمام جموع المسلمين لأول مرة في اليونان ، ولبى دعوة الحكومة الإيطالية لتلاوة القرآن الكريم بمدينة “روما” لأول مرة في إيطاليا ، وقد حضر المناسبتان أعداد غفيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية في البلدين.
وتُروَى عن الشيخ حكاية بشهود عيان، ووقعت فى العاصمة الإيطالية، بعد ترتيل القرآن بالمجلس الإسلامى بالمدينة، إذ دعاه البابا يوحنا بولس الثانى بابا الفاتيكان للقائه، فوافق على شرط واحد أن يلتقيه البابا أمام المصعد تقديرا للكتاب الذى يحمله الطبلاوى، فوافق البابا، وتمت دعوته للقصر الملكى رغدان بعمان عاصمةالأردن لإحياء مأتم الملكة «زين الشرف» والدة الملك حسين.
رحل الشيخ محمد محمود الطبلاوي عن عالمنا في اليوم الخامس من شهر مايو 2020م عن عمر يناهز 86 عاماً ، وتبقى تسجيلاته كنزاً تتوارثه الأجيال.
رحم الله شيخنا الجليل فضيلة القارئ الشيخ/ محمد محمود الطبلاوي.